حكاية وابور المياه وإنقاذ المحلة من الكوليرا

اهتمت أسرة محمد على بالعمارة المصرية ، باعتبارها أصدق صورة تعكس حضارة وثقافة المجتمع الذى تنتمى إليه .. وتحولت مصر على أيديهم إلى قطعة من أوروبا ، ولم تقتصر رعايتهم على القصور ومبان القاهرة الخديوية بل امتدت لتشمل العديد من المنشآت والمبان الخدمية فى أكثر من مكان ، ومنها أقدم وابور لمياه الشرب فى المحلة الذى تعرض للتدمير والهدم رغم طرازه المعمارى النادر.. أقيم وابور المحلة على بقعة جميلة وخضراء تحيط به الزهور وأحد فروع الأنهار وكان بمثابة أول محطة لتنقية وتحلية مياه الشرب داخل المدينة وضم هذا المبنى بجواره أيضا محطة أخرى لتوليد الكهرباء عرفت حتى يومنا هذا باسم ( وابور النور ) وكان صاحب الفكرة والمشروع هو نعمان باشا الأعصر عمدة المحلة وكان صديقا شخصيا للملك فؤاد حيث عرض عليه التبرع بجزء من ثروته لمساعدة الحكومة على تنفيذ هذا الحلم لخدمة أهل بلدته وبعد ترحيب الملك تم إسناد المشروع إلى بعض الشركات الأجنبية مثل شركة "برولمان" الألمانية التى تولت الأعمال الكهربائية والميكانيكية للمشروع بينما تولت شركة "باتريستا " والمقاول " تافرنا " الأعمال الفنية الخاصة بالمنشآت والتى جاءت من حيث الشكل والتصميم على طراز إيطالى وفريد حيث تم استخدام الطوب الأحمر والكرانيش فى تزيين الشكل الخارجى للمبانى بجانب البناء المبتكر للأسقف والأسطح العلوية التى منحته طابع الأصالة والعراقة .. وبعد الانتهاء من عملية البناء كلف جلالة الملك فؤاد الأول صاحب المعالى وزير الداخلية محمد حلمى باشا عيسى بافتتاح المشروع رسميا سنة 1925 وكان بصحبته المهندس صاحب العزة محمد بك عرفان رئيس إدارة البلديات واللجان المحلية .. ورغم هذا لم يسلم عمدة المحلة من الهجوم بسبب هذا المشروع واتهمه الوفديون بأنه أراد به دعاية شخصية لنفسه فى انتخابات البرلمان حيث كان أحد أقطاب حزب الأحرار الدستوريين وعدوهم اللدود فى مجال السياسة ، ومن المواقف الطريفة التى تعرض لها نعمان باشا أنه أراد إكرام ضيوفه خلال الحفل الذى أقامه بمناسبة هذا المشروع فصمم على أن يقدم إليهم فى إحدى وجبات الطعام ( الملوخية ) وأحضرها لهم خصيصا من أسوان زراعة مبكرة (أى فاكهة العصر) ، لكن السادة الوفديين نعتوه بالملوخية وأصبح كل منافس لهم يحمل هذه الصفة .. وربما لا يعرف الكثيرون من أبناء المحلة ولا المسئولين أيضا أن هذه المحطة كانت وراء استمرار وجودهم وإنقاذ حياة أجدادهم منذ سنوات بعيدة مضت وبالتحديد عندما ضرب وباء الكوليرا مصر سنة 1947 للمرة الثالثة وكان الناس يهربون إلى أعلى الدلتا بحثا عن الحماية والاستشفاء لأن معظم القرى والمدن المصرية فى الصعيد كانت تعتمد فى مياه الشرب على مياه الترع والطلمبات الحبشية التى تحولت إلى بيئة حاضنة لوباء الكوليرا الذى نقله أحد عساكر الانجليز القادمين من الهند وخلف نحو 20 ألف حالة وفاة فى ذلك العام فقط ، لكن "وابورالمحلة " نجح فى توفير مياه الشرب النظيفة لأهالى المدينة وكانت مراحل تنقية وتحلية المياه لاتقل عن 8 ساعات يوميا باستخدم الرمل والزلط والشبة بجانب استخدام الكلور لقتل الميكروبات مما أدى لانحصار مرض الكوليرا بشكل كبير داخل المحلة .. وضمت المحطة عند افتتاحها طلمبة واحدة للمياه بسعة 60 لتر ماء فى الثانية ثم قام المعمارى على لبيب جبر رئيس قسم العمارة بجامعة فؤاد الأول بإنشاء مبنى ملحق لطلمبات المياه المرشحة سنة 1945 ضم طلمبة إضافية أخرى سعة 100 لتر ماء فى الثانية كما أقام صهريج ضخم لتخزين المياه يستخدم كإحتياطى لتعويض نقص المياه بالمدينة وقت الذروة لكنه أصبح خارج الخدمة الآن بسبب تهالك المواسير والمحابس وتآكل حلته ، وكانت المحطة تقع على فرع بحر الشون القادم من بحر كفر حجازى ولكن تم ردم هذا الفرع فى بداية الخمسينيات ليصبح طريقا للمارة والسيارات وأطلق عليه شارع وابور النور.. ولأن هناك من لا يعرف القيمة التاريخية لهذا المبنى وأهميته وعبقريته الإنشائية تم هدم وابور المياه منذ 4 سنوات فقط من أجل بناء محطة جديدة بقدرات أكبر .. ويشير الأستاذ محمد أبو الرجال رئيس هيئة الصرف الصحى بالمحلة سابقا أن عددا كبيرا من العاملين بالهيئة سعى لإقناع رئيس مجلس الإدارة بعدم هدم المحطة القديمة لأنها تراث نادر مر عليه أكثر من 90 سنة وتحفة معمارية لايوجد لها مثيل لكن رئيس مجلس الإدارة صمم على إنشاء المحطة الجديدة فى نفس المكان برغم أن هناك مساحات أخرى بديلة مجاورة كانت تصلح لهذا المشروع .. وأضاف بأنه كان هناك معمل قديم لتحليل العينات ونسب السمية تم هدمه كذلك ، ويجب تدخل المسئولين ورجال الآثار فورا لإنقاذ وابور النور المجاور للمحطة قبل القضاء عليه هو الآخر حيث يعانى من الإهمال الشديد وقامت شركة الكهرباء بتحويله إلى مخازن للخردة وكابلات الكهرباء بالإضافة إلى مكاتب لبعض الموظفين المتكدسين داخل الشركة ويتردد عليهم مئات المواطنين يوميا لقضاء مصالحهم دون الاكتراث بأهمية المبنى والحفاظ عليه ، ولابد من إغلاقه وسرعة ترميمه من أجل استغلاله كمتحف للمحلة أومزار سياحى مثلا .. أما محمد الخطيب رئيس محطة " كهرباء منطقة المنسوب " فيقول أن محطة وابور النور الحالية كان يوجد بها 6 تربينات ديزل عملاقة بداخلها سبائك نحاس من أنقى الأنواع ويدخل فى صناعة بعض أنواع الذهب لكنها بيعت كخردة عام 96 رغم أن قيمتها بأسعار اليوم قد يتجاوز المائة مليون جنيه ، ويشير الخطيب أن أجهزة الوقاية ومعامل القدرة التى كانت موجودة داخل محطة الكهرباء تفوق فى جودتها ودقتها أجهزة اليوم بمراحل وكانت تحفة فنية مثل المبنى الذى تم تصميمه بشكل غريب فهو يحتوى على أكثر من 50 باب بعضه بأحجام عملاقة لتسهيل دخول أى معدات ضخمة فى المستقبل وأيضا سرعة الخروج والهرب فى حالة الطوارىء وحدوث أى خطر ويوجد به عدد ضخم من البدرومات تحت الأرض تستخدم فى عمليات التخزين .. أما الشبابيك فهى بارتفاع 4 أمتار وباتجاهات وزاوايا معينة لدرجة أن العمال فى فصل الصيف يجلسون وكأنهم على البحربسبب تيارات الهواء الطبيعى بينما يتحول الجو فى الشتاء إلى دفء شديد داخل المبنى دون أن نفهم مصدر أو سبب ذلك .. ويخشى الجميع أن يصبح وابور النور بالمحلة ضحية أخرى جديدة لهوجة من المنشآت القبيحة مثلما حدث مع وابور المياه الذى كان نسخة مطابقة منه .. المصادر : الهندسة الصناعية فى مصر من عهد محمدعلى إلى السادات – (د. رالف بودينشتين ) إطلالة على المعماريين المصريين الرواد ( دكتورة شيماء عاشور ) المحلة مدينة المآذن والمداخن ( الأستاذ محمد أنور حوطر ) مذكرات الأستاذ عبد الحى غالى والعقيد طلعت عزام نقلا عن موقع الأهرام للفنون والآداب والتراث مصطفى أبو شامية

1720 مشاهدة

اخر الاخبار

أهم مشروع بمدينة المحلة الكبرى تكلف 300 ألف جنيه

تأسيس مسجد عبد الحي خليل " الباشا " بالمحلة

تاريخ اليهود فى المحلة

حكاية صورة الفريق المدرب بجمعية إسعاف مدينة المحلة الكبرى

مسجد عاصى بالمحلة الكبرى يستعيد تاريخة بعد 304 سنة

شركة أتومبيلات المحلة الكبرى للنقل الداخلى

مدفع الإفطار بـ المحلة الكبرى

قصر ثقافة المحلة الكبري أحد قصور البارون إمبان

الملك فاروق الأول في زيارة لمدينة المحلة

الملك فؤاد بـ المحلة

مسجد الشريف المغربي

منارة التوبة بالمحلة ليس لها مثيل فى العالم

اللقطة التي أسعدت كل عمال المحلة

أميرات مصر فى المحلة

زخارف إسلامية باب بـ المحلة الكبرى

إعلانات المحلة زمان

الحمامات الشعبية بـ المحلة نواد اجتماعية بهوية تاريخية

صوره للملك فاروق فى نادى و شركة غزل المحلة أثناء ازاحة الستار من فوق تمثال طلعت باشا حرب

صورة الملك فاروق فى مدينة العمال بالمحلة الكبرى عام 1948

صورة من أمام مستشفي الرمد في مدينة المحلة الكبري في مصر سنة 1913م

لقطة من المحلة الكبري - الغربية بداية القرن العشرين سنة 1900 م

تعرف على مدينة المحلة الكبرى

نادى الأمير فاروق " نادي بلدية المحلة " حاليا

تعرف على قصة مستشفى حميات المحلة ثانى أقدم مستشفى فى مصر

زيارة الملك فاروق الى مصانع غزل المحلة - مايو 1948

مسجد الغمرى أشهر أثار مدينة المحلة

مسجد الطريني الكبير وشهرته المتولي

حكاية عبد الناصر مع فيلا باندليه بالمحلة وحمدى عبيد

الفلاحين غلبوا البندر أشهر مانشيت لنادي غزل المحلة

فيلم حياة وأمل بـ المحلة الكبرى

حمام المتولى

وكالة وقف قنصوه بمدينة المحلة الكبرى

زيارة تاريخية لنادى غزل المحلة من الزعيم جمال عبد الناصر

"خوخة اليهود" بالمحلة الكبرى

معالم مسيحية بالمحلة الكبرى

سر الاحتفال بالمولد النبوى " الطايفة " بمدينة المحلة الكبرى

ساعة المحلة التاريخية "بج بن" مصر.. أسسها الإنجليز عام 1947 وما زالت تعمل وتغطى المدينة من 4 اتجاهات

من معالم مدينة المحلة الكبرى الاسلامية

حكاية وابور المياه وإنقاذ المحلة من الكوليرا

حكاية وابور المياه وإنقاذ المحلة من الكوليرا